سورة الحاقة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} على الله {لا تَخْفَى} قرأ حمزة والكسائي: {لا يخفى} بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء {مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} أي فِعْلة خافية. قال الكلبي: لا يخفى على الله منكم شيء. قال أبو موسى: يعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعندها تطاير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وذلك قوله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} تعالوا اقرءوا كتابيه الهاء في {كتابيه} هاء الوقف. {إِنِّي ظَنَنْتُ} علمت وأيقنت {أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} أي: أني أحاسب في الآخرة. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ} حالة من العيش {رَاضِيَة} مرضية كقوله: {ماء دافق} [الطارق- 6] يريد: يرضاها بأن لقي الثواب وأمن العقاب. {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} رفيعة. {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ثمارها قريبة لمن يتناولها في كل أحواله ينالها قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا يقطعون كيف شاءوا. ويقال لهم:


{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ} قدمتم لآخرتكم من الأعمال الصالحة {فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} الماضية يريد أيام الدنيا. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} قال ابن السائب: تُلْوَى يده اليسرى من صدره خلف ظهره ثم يعطى كتابه. وقيل: تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره ثم يعطى كتابه؛ {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَم أَدرِ مَا حِسَابِيَه} يتمنى أنه لم يؤت كتابه لما يرى فيه من قبائح أعماله. {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاضية الفارغة من كل ما بعدها والقاطعة للحياة، فلم أحيَ بعدها. و{القاضية} موت لا حياة بعده يتمنى أنه لم يبعث للحساب. قال قتادة: يتمنى الموت ولم يكن عنده في الدنيا شيء أكره من الموت. {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} لم يدفع عني من عذاب الله شيئًا. {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} ضلت عني حجتي، عن أكثر المفسرين. وقال ابن زيد: زال عني ملكي وقوتي. قال مقاتل: يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك، يقول الله لخزنة جهنم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} اجمعوا يده إلى عنقه. {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي: أدخِلوه الجحيم. {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} فأدخلوه فيها. قال ابن عباس: سبعون ذراعا بذراع المَلكَ، فتدخل في دبره وتخرج من منخره. وقيل: تدخل في فيه وتخرج من دبره. وقال نوف البكالي: سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعًا كل باع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعا. قال الحسن: الله أعلم أي ذراع هو.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله بن محمود، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن رضاضة مثل هذه- وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها».
وعن كعب قال: لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقه منها.


{إِنَّه كَانَ لا يُؤمِنُ بِاللهَّ العَظِيم وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} لا يطعم المسكين في الدنيا ولا يأمر أهله بذلك. {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} قريب ينفعه ويشفع له. {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} وهو صديد أهل النار، مأخوذ من الغسل، كأنه غسالة جروحهم وقروحهم. قال الضحاك والربيع: هو شجر يأكله أهل النار. {لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ} أي: الكافرون. {فَلا أُقْسِمُ} {لا} رد لكلام المشركين، كأنه قال: ليس كما يقول المشركون أقسم {بِمَا تُبْصِرُونَ} أي بما ترون وبما لا ترون. قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المخلوقات والموجودات. وقال: أقسم بالدنيا والآخرة. وقيل: {ما تبصرون} ما على وجه الأرض، و{ما لا تبصرون} ما في بطنها. وقيل: {ما تبصرون} من الأجسام و{ما لا تبصرون} من الأرواح. وقيل: {ما تبصرون} الإنس و{ما لا تبصرون} الملائكة والجن. وقيل النعم الظاهرة والباطنة. وقيل: {ما تبصرون} ما أظهر الله للملائكة واللوح والقلم: و{ما لا تبصرون} ما استأثر بعلمه فلم يطلع عليه أحدا.

1 | 2 | 3